الرائدة الصيداوية علمات البلولي .. مسيرة عطاء تربوي وثقافي واجتماعي وحكاية المرسوم الجمهوري الإستثنائي لأصغر طالبة بكالوريا في لبنان
كم هو قاس غياب الأحبة .. وأقسى الغياب ذلك الذي يفاجئنا بأن يخطف من بيننا أقرب الناس وأغلى الناس.
مع تسليمنا بقضاء الله وقدره ومشيئته ، كان لغياب شقيقة الروح المربية علمات البلولي وقع الصدمة علينا ان نفقد اختا حبيبة غالية بهذه السرعة.. فقد غادرت باكرا وبدون استئذان تاركة وراءها عائلة ومسيرة عمر وكفاح وعلم وابداع.
لم تكن العائلة وحدها من فجعت بهذا المصاب الأليم ، بل أيضاً ، صيدا مدينتها التي احبت ، صيدا التي فقدت بغيابها احدى سيداتها المميزات وواحدة من المربيات الكبار والمعلمات الفاضلات المؤمنة بالرسالة التربوية والتي عملت على مدى سنوات طويلة على تحقيقها لبناء جيل متعلم يبني وطنا نموذجيا ، حملت أمانة العلم بإخلاص قل نظيره واعطت من روحها وجهدها ووقتها فساهمت بنشر العلم والمعرفة والثقافة لتلامذة مدارس المدينة وجامعاتها التي اكتسبت الكثير من خبرتها في اللغة الفرنسية منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي.
لم أصدق حجم كل هذه الإتصالات التي تلقيتها لتشيد بالفتاة التي أظهرت نبوغاً منذ صغرها فدخلت المدرسة وهي لا تزال دون الثالثة من عمرها، في وقت كان العمر المحدد لدخول المدرسة هو الخامسة.
تدرجت في صفوف مدرسة راهبات مار يوسف الظهور حيث أعفيت من صفين في القسم التكميلي ونالت البريفيه بدرجة امتياز ورفعت الى صف البكالوريا - القسم الثاني بشكل استثنائي وبناء لمرسوم جمهوري بسبب صغر سنها وكانت الأولى في لبنان.
التحقت الطالبة علمات البلولي بكلية التربية وتخرجت من الجامعة اللبنانية حائزة على المرتبة الأولى في منتصف السبعينيات ، علماً انه في ذلك الوقت كان مستغربا تعليم الفتيات الى هذه المراحل ، لكنه لم يكن غريبا على بيتنا الذي كان يعرف بـأنه بيت علم وثقافة.
توجهت علمات بعدها الى فرنسا لمتابعة رسالة الماجستير في جامعة سان كلو التي تخرجت منها وتخصصت بالتعليم السمعي البصري ، وعادت لتبدأ مسيرة التعليم بدايةً في ثانوية البنين في النبطية ولتنتقل بعدها الى ثانوية البنات الرسمية في صيدا التي كانت مديرتها آنذاك حكمت الصباغ ( يمنى العيد ) والتي سميت المدرسة بإسمها مؤخرا . تعاونت علمات كثيراً مع المركز الفرنسي في صيدا واشرفت على نشاطاته وكذلك نادي السينما في المدرسة . وكانت اول من استخدم مختبر اللغات السمعي البصري في مدارس المقاصد.
تزوجت علمات البلولي من المهندس نزيه السنيورة وانتقلت الى السعودية وهناك كانت اول من أسس فرعاً لتعليم اللغة الفرنسية في مدارس "نجد الأهلية " وأصبحت المشرفة العامة لهذه اللغة فيها ، واستحقت درع الإنجاز الذي بقيت محتفظة به.
لكن حنينها الى الوطن دفعها للعودة اليه سريعا رغم كل الامتيازات التي حصلت عليها في المملكة ، لأنها كانت تريد ان يشب ابناؤءها في وطنهم.. التحقت مجددا بثانوية البنات الرسمية ثم ثانوية البنين الرسمية في صيدا وعينت رئيسة لمركز الارشاد والتوجيه للغة الفرنسية في وزارة التربية في الجنوب ، حيث كانت تجول على المدارس في صيدا والجوار والجنوب لتشرف على تعليم اللغة الفرنسية، وكانت تؤدي رسالتها الوظيفية بكل شفافية ونزاهة . ذاع صيتها في نشر اللغة الفرنسية فتعاقدت معها عدة جامعات . ولا ننس تطوعها للإشراف لثلاث سنوات على طلاب المدارس الرسمية في الصيف خلال دورات " من حقنا ان ننجح " الذي كانت تنظمها مؤسسة الحريري من العام 2003 وحتى العام 2005.
ربت أولادها فراس ومحمد ودانا على حب العلم والثقافة واورثتهم دماثة خلقها وحبها لعمل الخير .وكانت لها بصمات مضيئة في العمل الاجتماعي والإنساني، فأسست "جمعية خريجات مدرسة مار يوسف الظهور "وترأستها لعدة سنوات بهدف مساعدة الطالبات على متابعة تعليمهن ، وشاركت في تأسيس "جمعية اعانة الطفل المعوق " وكانت ناشطة في فعل الخير ، تلبي وتعين كل من يدق بابها وتساعد عائلات مستورة في السر ودون مباهاة ، فلا تعرف يسراها ما تعطيه بيمناها .. أعطت من قلبها .. ولم تنتظر شكراً ولا ثناءً من احد.
ستبقى علمات محمد البلولي حاضرة في ذاكرة صيدا وفي ذاكرة القطاع التربوي والخيري بأعمالها وسيرتها وبكل كلمات الثناء والرثاء التي سمعتها من المجتمع الصيداوي الذي غمرنا في مصابنا الأليم والذي ذكرنا بتاريخها الحافل بالعطاء والتضحية وعمل الخير ونشر ثقافة اللغة الفرنسية.
نامي قريرة العين يا شقيقتي الغالية .. فقد ترحم الناس عليكِ وعلى والديك ِ من خلال اعمالك ومبادئك واخلاقك التي تسلحت بها في الحياة وتركتها ارثاً عظيماً لأولادك.
رحمك الله يا علمات وتغمدك بواسع رحمتك .. والهمنا واسرتك الصبر على فراقك.
المصدر | أسمى البلولي الديراني - رئيسة جمعية اعانة الطفل المعوق
--------
فاطمة الجبيلي:
إِنَّ الأستاذة علمات البلولي كانت تتحدّث اللغة الفرنسيّة بطلاقة رائعة وكم كنت أُحِبّ الإستماع إليها وهي تتكلّم هذه اللغة فهي كانت رئيسة مركز الإرشاد والتوجيه في صيدا والجنوب في ثانويّة صيدا الرسميّة للبنين وكانت إنسانة مُحِبّة لكل زميلاتها وفاعلة خير تعمل لوجه الله كثيراً وما رأينا منها إِلَّا خيراً. ونسأل الله تعالى أن يوفق أولادها وأخواتها ويُلهمهم الصبر والسلوان على فراقهم للأستاذة علمات ،الله يرحمها برحمته الواسعة ياربّ العالمين.
رمزي عثمان مكاوي:
راقية في علمك، راقية في تعاملك مع الآخرين، قدوة في الاخلاق والتربية، نعم الجارة والزميلة، رحمك الله وجعل مثواك الجنة.
Posted by صيدا سيتي Saida City on Tuesday, July 6, 2021