محمود هو المسحّراتي ابن المسحّراتي الشهير في صيدا محمد فناس.


الوالد اعتاد طوال نصف سنوات قرن الخروج قبل الإمساك من كل شهر رمضان ليجوب أزقّة صيدا صارخاً في النائمين: «يا نايم وحّد الدايم، رمضان كريم»، داعياً إيّاهم إلى الاستيقاظ وتناول طعام السحور لصيام اليوم التالي.

(علي حشيشو)

المسحّراتي الابن، محمود فناس، ورث التسحير منذ وفاة الوالد، وهو عامه الثالث الذي يسحّر فيه أهل المدينة القديمة، إلى جانب فانوس صغير يحمل طبلة والده النحاسية التي ورثها بدوره عن والده، ينقر عليها بلسان جلدي فتبعث رنة توقظ الغاطّين في النوم، ويصدح صوته بأبياتٍ هي أقرب إلى الموشحات الدينية، فيسارعون إلى القيام وتحضير مائدة السحور.

(علي حشيشو)

ولأن المسحراتي ابن البلد ينادي على الناس بأسمائهم، فهو يعرفهم ويحفظ منازلهم التي يدخلها نهاراً كسمكري لتصليح حنفية أو لتمديد قساطل خزان.
يسحّر فناس بفرح: «أعتبرها واجباً دينياً، فالصحابة كانوا يخرجون للتسحير، وأنا على خطاهم وخطى أبي وجدّي».

(علي حشيشو)

المهمّة لا تخلو من المخاطر «أعرف المصاعب التي يواجهها المسحر، وخصوصاً في الليالي الحالكة ومع انقطاع الكهرباء، أخبرني أبي أن أسوأ ما كان يواجهه أثناء التسحير قديماً الكلاب الشاردة وجنود الاحتلال الإسرائيلي. الكلاب كانت ترعبه، والإسرائيليون كانوا يرتعبون من طبلته».

(علي حشيشو)

جائحة «كورونا» قلّلت منسوب الفرح للعام الثاني على التوالي، فاختفت مظاهر البهجة وندرت زينة رمضان في الأزقة وخفتت أنوار الشهر الفضيل. «مع ذلك، أكثر ما يسعدني ابتسامات الأطفال وهم ينتظرونني عند أبواب منازلهم، لإلقاء التحية أو لنيل فرصة الطرق على طبلتي».

مع أنها ليست مهنة، لكن المسحّراتية قد تعود بفائدة مادية متواضعة تعود على المسحّراتي، إذ يجود عليه السكان بمبلغ من الليرات قبل نهاية رمضان إكراماً لجهوده.