صيدا سيتي

رحلة الإتقان: من اكتشاف الدافع الداخلي إلى التميز المستدام

إعداد: إبراهيم الخطيب - الإثنين 27 تشرين أول 2025 - [ عدد المشاهدة: 166 ]

بلوغ الإتقان يُعبّر عن عمليةٍ مستمرة لا تتوقف عند حدٍّ أو إنجازٍ معي، وإنما هي مسار تطوّر دائم، يقوم على التعلّم الذاتي، والتجربة المتكرّرة، والمراجعة الواعية للأداء. فالإتقان، في جوهره، صيرورة متواصلة، يتقدّم فيها الإنسان خطوة بخطوة نحو تحقيق أفضل ما يمكنه في مجاله، عبر تطوير مهاراته وصقل أدواته وتعميق وعيه بما يفعل. 

أولاً: الدافع الداخلي نقطة الانطلاق

تبدأ رحلة الإتقان من اكتشاف الدافع الداخلي، وهو تلك القوة الباطنية التي تدفع الإنسان نحو العمل بإخلاص واستمرار، حتى دون رقابة أو مكافأة خارجية. فحين ينبع الدافع من الداخل، يصبح التعلم شغفًا، والجهد متعة، والتعب طريقًا للنضج.
على سبيل المثال، حين يُقبل الباحث العلمي على دراسة ظاهرةٍ معينة بدافع الفضول والاكتشاف، يحفّزه حُبّ المعرفة، ولا يحدّه راتب أو إشراف أكاديمي، فيقضي الساعات الطويلة في المختبر بحثًا عن إجابة جديدة.
وكذلك المعلّم الذي يرى في رسالته وسيلة لبناء الإنسان، يُطوّر نفسه باستمرار ليُحدث أثرًا في طلابه، ولا يؤدي عمله أداءً شكليًا، لأن دافعه نابع من إيمانه العميق بقيمة التعليم.

ثانيًا: الإتقان كرحلة نمو

الإتقان يتغذّى من التراكم، لا من القفزات المفاجئة. فكل تجربة، وكل خطأ، وكل مراجعة، تمثّل لبنة في هذا البناء المستمر. الفنان الذي يرسم لوحاته الأولى قد يُخطئ في الألوان أو التناسب، لكنه مع كل لوحةٍ جديدة يُصبح أقرب إلى الحسّ الجمالي المتكامل.
وفي المجال المهني، يتضح هذا المبدأ في قصص الطهاة، أو الحرفيين، أو المبرمجين الذين يبدأون بتجارب متواضعة، ثم عبر الممارسة والتغذية الراجعة، يصلون إلى مستوى الدقّة والابتكار.

ثالثًا: الوعي بالتطور لا بالكمال

الإتقان هو وعي بالتقدّم المستمر، وليس سعيًا للكمال المطلق. فكل مرحلة من العمل المتقن تفتح أفقًا جديدًا للتعلّم والتحسين. فمثلاً، الطبيب الماهر يعي أنّ المعرفة الطبية تتطور باستمرار، فلا يرى نفسه "كاملًا"، وأن عليه متابعة الأبحاث والمؤتمرات ليواكب الجديد.
وهنا يظهر الفرق بين من يسعى إلى "النجاح" ومن يسعى إلى "الإتقان": الأول يرضى بالوصول، والثاني يُواصل السير.

رابعًا: تطبيقات واقعية

في اليابان، تُترجم ثقافة الإتقان في مفهوم "الكايزن" (Kaizen)، أي التحسين المستمر، حيث يحرص العامل أو المدير على تطوير تفاصيل صغيرة يوميًا، تُحدث فرقًا كبيرًا على المدى الطويل.

في الرياضة، يُمثّل الإتقان سلوكًا يوميًا لدى لاعب كرة السلة الذي يكرّر تسديد الكرة آلاف المرات ليُصقل ردّ فعله ودقّته.

وفي التربية، يتجلى الإتقان في الطالب الذي يسعى إلى فهم المعلومة وتطبيقها في الحياة الواقعية، فلا يحفظها وحسب. 

رحلة مستمرة

بلوغ الإتقان إذن هو رحلة وعيٍ ذاتيٍّ ومهنيٍّ مستمرة، قوامها الدافع الداخلي، والمراجعة المتواصلة، والانفتاح على التعلّم. ومن يدرك أن الإتقان مسارٌ لا نهاية له، يعيش في تجدد دائم، ويحوّل عمله اليومي إلى رسالةٍ تحقق ذاته وتُسهم في نهضة مجتمعه.


 
design رئيس التحرير: إبراهيم الخطيب 9613988416
تطوير وبرمجة: شركة التكنولوجيا المفتوحة
مشاهدات الزوار 1006886217
الموقع لا يتبنى بالضرورة وجهات النظر الواردة فيه. من حق الزائر الكريم أن ينقل عن موقعنا ما يريد معزواً إليه.
موقع صيداويات © 2025 جميع الحقوق محفوظة