منير العكش: كيف قرصن الغرب الديانةَ المسيحية

منير العكش: كيف قرصن الغرب الديانةَ المسيحية

29 يناير 2024
لوحة تصوّر معركة بين الصليبيين والمسلمين في الحملة الصليبية الأولى بين 1096 و1099م (Getty)
+ الخط -

في كتابه "اليهود والعنف"، الذي صدر عن "المؤسَّسة العربية للدراسات والنشر" نهاية العام الماضي، حاول الباحث والأكاديمي منير العكش رسْم صورة تاريخية كاملة للذهنية اليهودية، التي ذهب إلى أنّها ليست ديناً، بل هلوسةٌ أيديولوجية أو "برنامج سياسي"، وأنّها صِيغت في وقت متأخّر على مقاس حاجات مجتمعها الصحراوي القاسية، وعبّرت عن روحه وأسباب عنفه وعبادة ذاته، وعن أحلامها في وراثة بلاد الآخرين واستباحتها، مستعرضاً كيف تحوّلت فكرة "إسرائيل" إلى ما يسمّيه حاضنةً للوحوش في السياسة والفكر والفلسفة الغربية.

الكتاب هو الأوّل ضمن ثلاثية بعنوان "كيف يصبح الدين شرّاً: نظرة موحَّدة للعنف في تاريخ الأديان الثلاثة"، صدر الكتاب الثاني فيها، حديثاً، عن الناشر نفسه تحت عنوان "المسيحيّون والعنف".

يتضمّن العمل خمسة فصول تتناول ألفَي سنة من تاريخ المسيحية؛ بدءاً من مسيحية المشرق التي يؤكّد الباحث أنّها "انتصرت على أعظم إمبراطوريات عصرها من دون أن ترفع في وجهها خنجراً أو عصا أو حتى شوكة"، وانتهاءً بـ"الدين المدني الأميركي" الذي "طرد السيّد المسيح من ملكوته، وأجلس على عرشه 'الإلهَ المُحارِب'".

المسيحية ظاهرةُ مدنيةٌ مشرقية فلسطينية حرّفتها ممالك أوروبا البربرية

ينطلق العكش، في الكتاب، من أنّ المسيحية ظاهرةُ مدنيةٌ مشرقية فلسطينية قامت ممالك أوروبا البربرية بتحريفها، ليستعرض جناية هذه الممالك على المسيحية وكيف قرصنتها وعسكرتها وحوّلتها "من ضحية إلى جلّاد"، ويسرد العديد من الأدلّة على أنّ الممالك الأوروبية، حين لم تجد في تعاليم المسيح ما ينسجم مع حياتها وتوحشها، تجاهلتها وانصرفت إلى عناق "أخلاق الإله المُحارِب"، الذي يقول العكش إنّه "سما ببربريتها إلى مصافّ الدين، وأطلق سكاكينها الطويلة في رقاب أُمم العالم الجديد والقديم".

ويقول العكش إنّ "أخلاق الإله المُحارِب"، وكما في فكرة "إسرائيل التوراتية"، أتاحت للأوروبيّين أدلجة حقّ التضحية بالآخر، وتفوّقهم العرقي، وتوسُّعهم في الأرض، وتساميهم على القوانين الأخلاقية الإنسانية، وأنّ معاملتهم للآخرين يحكمها ما نسجه العبرانيّون من أساطير عن تجربتهم مع الكنعانيّين.

الصورة
المسيحيّون والعنف

وهذا التشويه الغربي المضاعف للمسيح وأخلاقه، وصل إلى اتّهام صليبه بأنّه كان سبباً في عذابات اليهود حتى في أوشفيتز، وأنّ على المسيحيّين أن ينبذوه. وهذه الخلفية البربرية تُمثّل، وفق الكاتب، القاعدة التي تأسّست عليها مسيحية الغرب التي أبرمت قطيعة أخلاقية ودينية مع مسيحية المسيح الفلسطيني، ومع المسيحية المشرقية بمختلف كنائسها، ثمّ بشّرت شعوب أوروبا بأدمى صنوف العنف والإبادات، ثمّ أطلقت حملتها الصليبية الأُولى، وجنّدت لها حتى الرهبان.

طردَ الدينُ المدني الأميركي المسيحَ من ملكوته وأجلس "الإله المُحارِب" مكانه

وبالوصول إلى الدين المدني الأميركي، يوضّح العكش انسلاخه عن تعاليم المسيح وأخلاقه، مبيّناً كيف أنّ تبنّي الموجات الاستعمارية الأُولى لديانة العهد، وإيمانها بضرورة العمل من أجل "عودة" اليهود إلى "بلاد أجدادهم"، يُشكّلان المصدر الأوّل والأعمق لهذا الدين المدني، بل وللروح الوطنية الأميركية. و"هذا ما يفسّر لماذا كان صانع القرار الأميركي، بمجرّد أن يسمع بكلمة فلسطين أو فلسطيني، يتحوّل ضميره إلى جيفة منتنة".

صدر لمنير العكش أكثر من عشرين كتاباً بين تأليف وتحرير وترجمة. ومن مؤلّفاته: "أميركا والإبادات الجماعية: حقّ التضحية بالآخر"، و"أميركا والإبادات الثقافية: لعنة كنعان الإنكليزية"، و"أميركا والإبادات الجنسية: 400 سنة من الحرب على الفقراء والمستضعفين في الأرض"، و"تلمود العم سام: الأساطير العبرية التي تأسّست عليها أميركا"، و"‬دولة فلسطينية للهنود الحمر‮".

المساهمون