8 كانون الثاني 2024 | 22:10

أخبار لبنان

وائل الدحدوح.. الشاهد والشهيد الحي


أن يخاطر صحافي بحياته في سبيل تأدية مهمته الصحفية فتلك تضحية لأجل رسالة .. فكيف اذا كانت في آن ، لأجل رسالة ولأجل قضية محقة وعادلة وفضح حرب إبادة ترتكب بحق شعب بأكمله ..!

وكيف اذا تخطت هذه التضحية وهذه المخاطرة الصحافي نفسه الى من هم له أغلى من الروح .. أولاده وفلذات كبده ، ليجد نفسه ينعيهم ويودعهم على الهواء مباشرة خبراً وصورة ! .. فذلك يتخطى درجات التضحية بالنفس والروح الى ما هو أسمى ..

وبهذا المعنى، تختصر مأساة الصحافي الفلسطيني وائل الدحدوح ( مراسل قناة الجزيرة في قطاع غزة ) كل معاني التضحية لأجل القضية المحقة والعادلة للشعب الفلسطيني ، ولأجل رسالته الإعلامية التي نذرها لهذه القضية ، بعدما آثر البقاء في غزة وفي قلب الحدث يتابع على الهواء مباشرة تغطية وفضح المجازر الإسرائيلية بحق آلاف العائلات من أبناء غزة ، ففقد افراداً من عائلته بعدما لجأوا الى أماكن اعتقدوا كما كثيرين من أبناء غزة أنها ستكون بمأمن من نيران الغارات والقصف الهمجي الإسرائيلي الذي تبين أنه يستهدف المدنيين والصحافيين عن سابق إصرار وتصميم ، فارتفعوا شهداء على مرأى من العالم والمجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان .

سيكتب التاريخ عما اختبره وائل الدحدوح منذ 25 تشرين الأول 2023 من صدمات ومآس تفوق قدرة أي نفس بشرية على التحمل .. ، تحمَّلها ولا يزال ، هذا الأب المكلوم بفقد زوجته وثلاثة من أبنائه كان آخرهم نجله حمزة ( في 7 كانون الثاني 2024 ) في غارات نفذتها الطائرات الحربية الإسرائيلية على مناطق في غزة ..

ربما كُتبت لوائل الدحدوح الحياة اكثر من مرة منذ بدء الحرب على غزة ، وقدر الله أن ينجو مرات عدة من غارة او قصف إسرائيلي رغم اصابته في احداها ورؤيته زملاء له وهم يرتقون شهداء .. لكن الواقع أن وائل واجه ما هو أصعب من الموت نفسه ، بفقد الزوجة والأبناء .. وهو مصاب مفجع جلل بالنسبة لزوج ورب أسرة.. لا يدرك تأثيره على النفس إلا من يكابده .. ورغم ذلك بقي نابضاً بالعزيمة والإصرار على متابعة رسالته الإعلامية محولاً إياها الى فعل صمود ومقاومة ..

لم يعد وائل يهاب الموت ليس تجبراً ولا تكبراً .. بل لأن الحياة لمن يفقد احبائه وفلذات كبده لا تعد تعني شيئاً ، أمام جثامين زوجته وأبنائه مسجاة أمامه ، وعيناه تنفجر دمعاً وقلبه ينفطر حسرة وحرقة وألماً ..

منذ بداية الحرب على غزة ، كان وائل شاهداً حياً على حرب الإبادة التي يرتكبها الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني في غزة ، وفي كل مرة كان يتنقل فيها بين غارة وأخرى كان مشروع شهيد ، لكن بعد فقده لمعظم عائلته شهداء ، تحول شاهداً وشهيداً حياً ، في سبيل قضية ورسالة ، بذل لهما العمر وفلذات الأكباد : فلسطين والحرية! .

رأفت نعيم

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 كانون الثاني 2024 22:10