صيدا سيتي

2021 لبنانياً: عام "طوابير الذل" و"التعطيل"… هل يأتي "الفرج" مع العام الجديد؟

صيداويات (أخبار صيدا والجوار) - الأربعاء 29 كانون أول 2021
X
الإرسال لصديق:
إسم المُرسِل:

بريد المُرسَل إليه:


reload

قد يكون العام 2021 من أسوأ الأعوام التي مرت في تاريخ لبنان الحديث. حيث المشهد الأساسي الذي كان كان طاغياً هو مشهد "الطوابير"، بما يحمله من ذل تعرض له جميع المواطنين، بسبب طبقة سياسية قررت المغامرة بشعبها حتى النهاية. في مقابل ممارستها لعبة "التعطيل" على المستوى السياسي، التي من المتوقع أن تستمر، على الأقل في الأيام أو الأشهر الأولى من العام المقبل.

"قديش الدولار اليوم"

"قديش الدولار اليوم"، هذا السؤال بات من يوميات اللبنانيين، نظراً إلى التداعيات التي يتركها على كافة تفاصيل حياتهم اليومية، لا سيما أن سعر الصرف في السوق السوداء سجل، هذا العام، مستويات قياسية لم يعرفها لبنان في الماضي. فبعد أن كان المعدل، في بداية العام، بحدود 8000 ليرة، يودع المواطنون هذا العام بسعر صرف يقارب 27000 ليرة، في حين لامس في بعض الأيام حدود 30000 ليرة.

"الأمل" الوحيد في هذه "المعركة"، التي يخوضها المواطن الذي يراقب قيمة راتبه تتأكل يوماً بعد آخر، كان مع ولادة حكومة نجيب ميقاتي الثالثة، حيث كان الرهان على أن يقود ذلك إلى صدمة إيجابية في الأسواق، تقود إلى خفض سعر الصرف إلى حدود 12000 ليرة. إلا أن الصدمة غير الإيجابية كانت بأن القوى السياسية، التي من المفترض أن تسعى إلى البحث عن أي وسيلة إنقاذ، قررت تعطيل عمل هذه الحكومة، غير آبهة بالتداعيات التي قد تترتب على ذلك، سواء كانت على المستوى الإقتصادي أو الإجتماعي أو الأمني.

"طوابير الذل"

أمام هذا المشهد، قرر مصرف لبنان، في الشهر الأخير من العام، أن يعيد تذكير اللبنانيين بمشاهد "طوابير الذل" التي اصطفوا بها على مدار الأشهر الماضية. من خلال التعميم الذي يسمح لهم بقبض رواتبهم بالدولار على سعر منصة "صيرفة"، ليذهبوا بعد ذلك إلى بيعها في السوق السوداء.

مشهد "الطوابير" هذه، مسرحه الأساسي كان أمام محطات المحروقات، حيث كان على اللبنانيين أن يصطفوا ساعات أمامها لتعبئة خزانات سياراتهم. قبل أن يقرر مصرف لبنان، في شهر آب، أن يتوقف عن دعم استيراد المحروقات، بسبب رفضه المس بالإحتياطي الإلزامي من العملات الأجنبية، الأمر الذي قاد إلى إرتفاع أسعار المحروقات إلى حدود لم يعد اللبناني قادراً على تحملها.

أمام هذا المواقع، بات الموظف بحاجة إلى أكثر من نصف راتبه من أجل الوصول إلى وظيفته، في حين تخلى الكثيرون عن الإشتراك في خدمة المولدات الخاصة، التي باتت كلفتها شهرياً توازي رواتبهم، نظراً إلى أن مؤسسة كهرباء لبنان كانت عاجزة عن تأمين الحد الأدنى من التغذية. أما على المستوى المعيشي، فإن كلفة تأمين الحد الأدنى من العيش الكريم تتطلب أكثر من 5 أضعاف ما يتقاضه القسم الأكبر من اللبنانيين.

"طوابير الذل" لم تقتصر على المحروقات، فسعر صرف الدولار لم يستثن الأدوية، التي فقدت من الأسواق لفترة طويلة، حيث كان اللبناني بحاجة إلى البحث عنها أيام قبل أن يتمكن من تأمينها، في حال نجح في هذه المهمة. إلا أنها فجأة خرجت من المستودعات، التي كانت تخزن بها، بعد أن شملها رفع الدعم، لكنها باتت خارج قدرة معظم اللبنانيين على دفع ثمنها، بينما المحاسبة غابت عمن كان يمارس جريمة الإحتكار.

"الإجرام" السياسي

قبل نهاية العام الحالي، أبت الطبقة السياسية إلا أن تبشر المواطنين بأزمة من نوع آخر، تتعلق بفقدان بطاقات تشريج الهواتف المدفوعة سلفاً، التي بدأت تفقد من الأسواق، الأمر الذي سيقود إلى رفع أسعارها في المرحلة المقبلة، لا سيما أن قطاع الإتصالات هو الوحيد الذي لا يزال يعتمد سعر صرف 1500 ليرة مقابل الدولار الواحد. وهذا الأمر كان قد دفع شركات مزوّدي الانترنت إلى الإعلان عن إعتماد آلية تسعير جديدة، تقوم على إحتساب 25% من قيمة الفاتورة بالدولار "الطازج"، على أن يتم إحتساب الباقي على أساس سعر صرف 8000 ليرة مقابل الدولار الواحد.

لهذا الواقع الإقتصادي تداعيات إجتماعية كان الجميع يدركها، إلا أن الطبقة السياسية لم تبادر إلى القيام بأي خطوة كان من الممكن أن تقود إلى الحد من التداعيات الكارثية، الأمر الذي يمكن وصفها بكل ضمير مرتاح بـ"الإجرام" السياسي، لا سيما بعد الإنفجار الذي وقع في بلدة التليل العكارية، في شهر آب، نتيجة تخزين كميات كبيرة من المحروقات. بعد أن كانت "طوابير" المحروقات قد أدت إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى، نتيجة الإشكالات التي وقعت بين المواطنين، في حين كانت كل أجهزة الدولة تتفرج على عمليات التهريب التي تحصل عبر الحدود.

من تداعيات هذا الواقع، التي بدأت في الظهور في الأشهر الأخيرة من العام بشكل لافت، كان تزايد أعمال السرقة والتشليح والسطو المسلح، التي كان أبرزها تلك التي استهدفت فرع مصرف بيبلوس في الزلقا. بينما كانت الأزمة الإقتصادية تترك تداعيات خطيرة على الأجهزة العسكرية والأمنية، التي بات عليها التعامل مع واقع صعب جداً من دون أن تملك الحد الأدنى من مقومات الصمود، بعد أن فرضت عليها القوى السياسية منطق "تسول" المواد الغذائية من الدول الأخرى.

"الجريمة الكبرى"

كل ما تقدم في الأعلى لا يوازي "الجريمة الكبرى" التي ترتكبها الطبقة السياسية، منذ إنفجار الأزمة في العام 2019، المتمثلة في سياسة التعطيل التي تمارسها، بدل مضاعفة العمل من أجل الحد من تداعياتها على المواطنين. فبعد الإنفجار الكارثي الذي وقع في مرفأ بيروت، في الرابع من آب من العام 2020، كان من المتوقع أن تسارع القوى المعنية إلى تشكيل حكومة جديدة، يكون على رأس أولوياتها التحقيق في هذه الجريمة من أجل الوصول إلى الحقيقة، بالإضافة إلى وضع خطة إصلاح واضحة تمهد الطريق نحو الخروج من الأزمة.

لكن من الناحية العملية، عمدت القوى السياسية إلى ممارسة كل أنواع التعطيل لمنع معرفة حقيقة ما حصل في ذلك اليوم المشؤوم، وصولاً إلى إنفجار الأزمة أمنياً بعد أحداث الطيونة في 14 تشرين الأول الماضي، التي كان من الممكن أن تقود البلاد إلى حرب أهلية. لكن الأهم تبقى التداعيات التي يتركها ملف التحقيقات على عمل الحكومة، التي تشكلت في 10 أيلول، بعد أن باتت عاجزة عن الإجتماع، منذ 13 تشرين الأول، بسبب ملاحظات "حزب الله" و"حركة أمل" على أداء المحقق العدلي القاضي طارق البيطار.

تعطيل حكومة ميقاتي لم يكن الحدث الوحيد الذي يصب في هذا الإتجاه، فالقوى السياسية نفسها كانت قد أضاعت نحو 266 يوماً على مفاوضات التأليف، في مرحلة تكليف رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، قبل أن يقرر الأخير الإعتذار عن المهمة في 15 تموز، نتيجة الخلافات على توزيع الحصص والحقائب. ليتم بعد ذلك تكليف ميقاتي بالمهمة في 26 تموز، على وقع تطورات كبيرة كانت تشهدها البلاد، تمثلت بإعلان "حزب الله" عن إستيراد المحروقات من طهران، الأمر الذي ردت عليه الولايات المتحدة بفتح باب إستيراد الغاز المصري وإستجرار الكهرباء من الأردن عبر سوريا.

وفي حين كان هذا ينعكس على عمل الإدارات والمؤسسات العامة، التي قررت الدخول في إضراب مفتوح نتيجة الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية، ما حول لبنان إلى "جمهورية الأربعاء"، حيث قرر هؤلاء الإكتفاء بهذا اليوم من أجل "تسيير" أعمال المواطنين. قررت القوى السياسية نقل نهج "التعطيل" إلى المجلس الدستوري، الذي عجز عن إصدار أي قرار بالطعن الذي قدم من قبل "التيار الوطني الحر"، بالتعديلات التي أقرت على قانون الإنتخاب.

هذا "التعطيل" أدى إلى "تعطيل" كل الخطوات التي كان من الممكن القيام بها، من مشروع البطاقة التمويلية التي بقيت مجرد وعد لم ينفذ، نظراً إلى أن القوى السياسية فضلت الذهاب إلى خيار تقديم "الإعاشات"، من أجل "تمنين" المواطنين بها، إلى المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، التي باتت التوقعات تشير إلى أن الوصول إلى إتفاق مبدئي من الممكن أن يحصل بين شهري كانون الثاني وشباط المقبلين، إلى كل الخطوات التي كان من الممكن القيام بها على مستوى تصحيح الرواتب والأجور.

"بارقة الأمل" بين أيدي اللبنانيين

صورة العام 2021 هذه، من الضروري أن تحضر في أذهان اللبنانيين في يوم الإنتخاب، نظراً إلى أن "بارقة الأمل" الوحيدة ستكون بين أيديهم في شهر أيار المقبل، في حال لم تلجأ القوى السياسية نفسها إلى تطيير هذا الإستحقاق بأي وسيلة ممكنة. كما عليهم أن يتذكروا وعود تلك القوى، التي كانت قد قطعتها خلال مرحلة الحملات الإنتخابية في العام 2018، من أجل أن يقارنوها بالواقع الذي يعيشونه اليوم. بالإضافة إلى التنبه إلى أن الأحزاب والتيارات السياسية ستذهب، على الأرجح، إلى الخطابات الطائفية والمذهبية، بهدف اللعب على غرائزهم لأنها لا تملك ما تقدمه من برامج أو خطط، بينما الإنهيار لم يستثن أي مذهب أو طائفة أو جمهور حزبي محدد.

في المشهد الإنتخابي المقبل، هناك الكثير من التطورات السياسية التي ستكون حاضرة أيضاً، أبرزها الخلافات التي باتت طاغية على علاقة "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، لا سيما بعد اللاقرار الذي صدر عن المجلس الدستوري. من دون تجاهل رفع الحزب سقف خطابه الإعلامي، في هذه المرحلة، عبر الحديث عن إنتخابات مفصلية تقود الجبهة المضادة فيها الولايات المتحدة الأميركية. في حين ذهب معارضيه إلى رفع سقف معركتهم إلى حدود إسقاط الأكثرية النيابية الحالية، تمهيداً لتشكيل حكومة تعبر عن الأكثرية الجديدة التي يراهنون على الفوز بها.

ضمن المشهد نفسه، لا يمكن تجاهل رهانات العديد من القوى الدولية على "التغيير" في صناديق الإقتراع، التي تدفعها إلى رفع سيف العقوبات في وجه كل من يحاول عرقلة هذا الإستحقاق، بالإضافة إلى دخول السعودية على خط على الإنتخابات، بعد الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت على خلفية تصريحات وزير الإعلام السابق جورج قرداحي، التي قادته إلى تقديم إستقالته من منصبه، بالتزامن مع زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الرياض، بعد فترة من الأخذ والرد على المستويين المحلي والخارجي.

ما تقدم، يدفع إلى التأكيد بأن الأشهر الأولى من العام المقبل ستكون دقيقة جداً، بدءاً من المواجهات السياسية التي ستكون حاضرة بقوة، لا سيما على المستوى الحكومي في ظل إستمرار العرقلة القائمة، بالإضافة إلى ملفي التحقيقات في إنفجار المرفأ وفتح الدورة الإستثنائية لمجلس النواب، وصولاً إلى الملفات العالقة التي من المفترض ايجاد حلول لها خلال هذه الفترة، خصوصاً ملف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، من دون تجاهل مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، في ظل السقف الزمني الذي كان قد تسرب أن الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين قد حدّده من أجل إنجاز هذا الإتفاق، أي شهر آذار، بالإضافة إلى إستحقاق الإنتخابات الرئاسية.

المصدر | ماهر الخطيب - النشرة

الرابط | https://tinyurl.com/mr48hpp9


 
design رئيس التحرير: إبراهيم الخطيب 9613988416
تطوير و برمجة:: شركة التكنولوجيا المفتوحة
مشاهدات الزوار 980901127
لموقع لا يتبنى بالضرورة وجهات النظر الواردة فيه. من حق الزائر الكريم أن ينقل عن موقعنا ما يريد معزواً إليه. موقع صيداويات © 2024 جميع الحقوق محفوظة